أثار وصول رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، إلى مدينة مصراتة قادما من سرت، وعزمه زيارة مدينة الزاوية، غرب طرابلس قريباً، تساؤلات حول تحركه باتجاه غرب البلاد في هذا التوقيت الذي تشهد فيه العاصمة طرابلس تغيرا سياسيا كبيرا، أفرزته مؤشرات التقارب بين حكومة الوحدة الوطنية وخليفة حفتر، وتزامن ذلك مع اختلافات كبيرة بين مجاميعها المسلحة حد الصدام والتصعيد.
وكان باشاغا قد وصل، مساء الأربعاء، إلى مدينة مصراته قادماً من سرت حيث مقر حكومته المؤقت، دون إعلان عن برنامج زيارته المفاجئة، فيما أعلن مكتبه الإعلامي، الخميس، تلقيه دعوة لزيارة مدينة الزاوية من مجلسها البلدي؟
وإثر وصول باشاغا شهدت مدينة مصراته توترا أمنيا، أظهر معالم صراع مكتوم أماطت زيارة باشاغا اللثام عنه، فقد تداولت وسائل إعلام ليبية أنباء عن طلب قوة مسلحة موالية للدبيبة، باشاغا بـ”تحديد صفة زيارته للمدينة، وإلا مغادرتها”، وهو ما أكده مصدر مقرب من المجلس البلدي للمدينة.
وقال المصدر، الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، إن تلك القوة هي “قوة العمليات المشتركة بالمدينة، والتي سبق وأن اعتقلت عدد من وزراء باشاغا أثناء مرورهم بالمدينة متوجهين إلى طبرق لأداء اليمين القانونية امام مجلس النواب بداية مارس الماضي”.
وأوضح المصدر أن مسلحين من القوة المشتركة اقتربوا من منزل باشاغا، بالمدينة، بعدد من السيارات المسلحة، وطالبوه بمغادرة المدينة “إن جاءها بصفته رئيسا للحكومة، قبل أن يتراجعوا إثر تجمع عدد من أنصار باشاغا رفقة أسلحتهم”، مشيرا إلى أن تدخل المكونات الاجتماعية بالمدينة تمكن من وأد التوتر بشكل سريع.
وعلى الرغم من عدم إعلان باشاغا عن أي موقف بشأن تعرضه لمضايقة أنصار الدبيبة المسلحين، إلا أن دعوة المجلس البلدي مصراتة للقوى الاجتماعية والسياسية والأمنية بالمدينة، أمس الخميس، للخروج بخطة لتأمين المدينة، تبدو على صلة بالحدث.
وأعلن المجلس البلدي، إثر الاجتماع الذي ضم عددا من القيادات الاجتماعية والسياسية وقادة الكتائب المسلحة مساء الخميس، عن “تشكيل لجنة عمل تتواصل مع الأطراف لوضع آلية للخروج بمقترح أمني وسياسي”.
وذكر البيان أن اللجنة “ستواصل جهودها للتهدئة ومنع استخدام القوة لأي سبب”، مشددا على رفض المجلس البلدي والمشاركين في الاجتماع “إقحام المدينة في أي صراع عسكري”، وأنه على “الأطراف السياسية التحاور والتواصل”.
تقوية التحالفات وتغيير المشهد
وفيما يؤكد الناشط السياسي، مروان ذويب، على قدرة قادة مدينة مصراتة على تجنيب المدينة أي صدام مسلح بين أنصار الطرفين، يعتبر زيارة باشاغا لمصراتة خطوة في طريق تكثيف زيارته لعدد من مدن غرب البلاد، بغية تغيير خارطة المشهد وتقوية تحالفاته فيها.
ويرى ذويب في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “باشاغا أدرك أن وجوده في سرت مجرد ورقة بيد معسكر شرق البلاد، وتحديدا حفتر، للضغط على الأطراف الفاعلة في طرابلس وعلى رأسها الدبيبة وحكومته، ولذا توجه لمناطق غرب البلاد للتموضع فيها وفرض نفسه، خصوصا أن بقاءه في سرت يعني رهن مصيره ومصير حكومته بقرار حفتر”.
ويرى الناشط السياسي أن بدء باشاغا بمصراتة، هدفه “خلخلة القاعدة الشعبية للدبيبة” الذي ينتمي لمصراتة أيضا، واعتبر أن بقاء باشاغا في مصراتة وعدم قدرة أنصار الدبيبة على إخراجه منها “أولى مؤشرات نجاحه في تغيير المشهد”، متوقعا نجاحه في مسعاه هذا “إذا اقترب من معارضيه وليّن من حدة مواقفهم”.
واعتبر أن عزم باشاغا على زيارة مدينة الزاوية دليل على صحة تحليله لأسباب توجهه للغرب الليبي لتغيير المشهد فيه وتوسيع جبهة أنصاره فيها.
وإثر وصوله للمدينة، أعلن المكتب الإعلامي لحكومة باشاغا، عن تلقي الأخير دعوة من المجلس البلدي لمدينة الزاوية، غرب طرابلس، لزيارة المدينة، مشيرا إلى أن الدعوة جاءت بالنيابة عن المكونات الاجتماعية والسياسية والمدنية بالمدينة.
ومنذ تعيين مجلس النواب باشاغا رئيسا للحكومة الموازية، انشطرت مواقف قوى مدينة مصراته، التي تعد من أكبر مدن غرب البلاد سياسيا وعسكريا، بين مؤيدين لباشاغا والدبيبة، ولذا يرى ذويب أن المدينة “تعد الرقم الصعب في معادلة غرب البلاد”، خصوصا مع ضمانه ولاء مدن: الزاوية والزنتان اللتان تعدان من أكبر مراكز القوى السياسية والعسكرية الرئيسية في غرب البلاد”.
وتعد الزاوية من المدن الحليفة لباشاغا، إذ ينتمي لها وزير داخلية حكومته، عصام أبوزربية، شقيق قائد أكبر القوى المسلحة بالمدينة، كما تعتبر قوى مدينة الزنتان، الجبلية غرب البلاد، من أحلافه أيضا، إذ يقودها اللواء أسامة الجويلي، قائد المنطقة العسكرية الغربية، الذي أقاله الدبيبة من منصبه كرئيس لجهاز المخابرات العسكرية على خلفية مساعدته باشاغا في دخول العاصمة طرابلس نهاية مايو/ أيار الماضي.
ارتباك سياسي
من جانبه، يرى الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية والدبلوماسي، خيري غيث، أن تعويل باشاغا على مراكز القوى في المدن الغربية “سيكون قاصرا وغير كاف لتغيير المشهد بمعزل عن طرابلس”، وقال متحدثا لــ”العربي الجديد”: “يبدو أن الأوضاع تتجه لمساعدة باشاغا، فالمواجهات الضارية التي شهدتها العاصمة مؤخرا أظهرت ضعف سيطرة الدبيبة وزادت من مستوى الاستياء من إدارته للوضع”.
ويرى غيث أن إعلان الدبيبة تغيير وزير داخليته دليل على ارتباك سياسي يلف أوضاعه، واعتبر أن اختياره لشخصية وزير الحكم المحلي، بدر الدين التومي، الذي لا يتوفر على حضور ولا ثقل لها بين المجاميع المسلحة دليل فقده الإمكانيات وحتى ولاء الشخصيات الأمنية النافذة في طرابلس.
ويرجح غيث أن يخسر الدبيبة حلفه من حفتر، فــ”مؤكد أن الصدامات الدامية الأخيرة في طرابلس كشفت لحفتر ضعف الدبيبة وأنه غير قادر على فرض نفسه وقراراته، خصوصا وأن الصدامات حدثت بعد يومين من استضافة الدبيبة لاجتماع عسكري عال المستوى بمشاركة رئيس أركان قوات حفتر، الفريق عبد الرزاق الناظوري، تم خلاله الاتفاق على اختيار رئيس أركان موحد للجيش”، وأضاف “الدبيبة قد يخسر أيضا قاعدته في أوساط المسلحين في طرابلس الذين أقنعهم سابقا برفض باشاغا بحجة حلفه مع حفتر”.
وخلف صدام مسلح عنيف، شهدته عدة أحياء داخل العاصمة، بين قوات جهازي الردع والحرس الرئاسي 16 قتيلا، بين مدني وعسكري، وأكثر من 35 جريحا، بحسب ما أفاد الناطق الرسمي باسم جهاز الإسعاف والطوارئ، أسامة علي، لـ”العربي الجديد”، والذي أكد أن فرق الجهاز أجلت 117 أسرة من الأحياء السكنية التي تحولت الى ساحة للاشتباكات.
ورغم كل هذه العوامل المساعدة، إلا أن غيث لا يرى قدرة لدى باشاغا على استثمارها لصالحه، وقال “حتى الآن لا يعرف لباشاغا حنكة سياسية تمكنه من استغلال كل هذه الأوراق، خصوصا استثمار الصمت الدولي حيال تقارب الدبيبة وحفتر الذي يبدو أن جميع الأطراف الخارجية تنتظر وضوحه”، ولذا فهو يرى أن باشاغا لن يزيد نجاحه عن حد حشد الدعم الاجتماعي والسياسي في مناطق غرب البلاد.