نشرت مؤسسة أمريكية مختصة بالشؤون الدولية مقالة عن تقرير صدر مؤخراً عن الحرب في اليمن وما يتبعها من مآسي أثرت بشكل مباشر على حياة المدنيين العزل. وأشار التقرير إلى ان جميع الأطراف المتحاربة خذولوا المدنيين مرتين – أولاً بالضرر المباشر وغير المباشر الذي لحق بالمدنيين خلال هذه الحرب المروعة وثانياً بفشلهم الصارخ في تقديم جبر الضرر للمدنيين الذين أضروا بهم. ثم تابعت قائلة: “جبر الضرر إلى جانب المساءلة الجنائية ليست رفاهية ولكنها ضرورة لإنهاء دوامة العنف والأسى في اليمن.
لقراءة نص المقالة كاملًا:
منذ ما يقرب من ثماني سنوات فشلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة أنصار الله (الحوثيون) وأطراف متحاربة أخرى في تقديم جبر الضرر للضحايا المدنيين جراء انتهاكاتهم المتكررة والخطيرة للقانون الدولي في اليمن. وعلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ خطوات فورية لدعم عدالة جبر الضرر في اليمن وفقاً لتقرير مشترك بعنوان “عُدنا إلى الصفر”: عن حالة جبر الضرر للمدنيين في اليمن – الصادر اليوم عن منظمة مواطنة لحقوق الإنسان وعيادة ألارد كيه. لوونستين الدولية لحقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة ييل.
تقرير “عُدنا إلى الصفر” هو أول دراسة تفصيلية لحق المدنيين في الحصول على جبر الضرر والالتزامات القانونية الدولية للدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة أنصار الله الحوثيون المسلحة لتقديم جبر الضرر. يبحث التقرير المؤلف من 170 صفحة أهم الآليات التي أنشأتها الأطراف المتحاربة للرد على الأضرار المدنية التي تسببت بها قواتها خلال النزاع المسلح المستمر منذ ما يقرب من عقد من الزمن في اليمن. وخلص التقرير إلى أن الآليات القائمة لدى الأطراف المتحاربة غير كافية إطلاقاً – فيما يتعلق بنطاق وشدة الضرر اللاحق بالمدنيين في اليمن والالتزامات القانونية الدولية التي تقع على عاتق الأطراف المتحاربة.
لقد وعد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة أنصار الله الحوثيين المسلحة مراراً وتكراراً بتقديم بعض أشكال المساعدة أو الإنصاف للضحايا المدنيين جراء انتهاكاتهم. يوضح التقرير أن وعود الأطراف المتحاربة حتى الآن فاقت أي مساعدة فعلية مقدمة للمدنيين. وقد صرح المدنيون الذين تمت مقابلتهم من قبل منظمة مواطنة لغرض اعداد هذا التقرير إن الأطراف المتحاربة في البلد خلال الاعوام 2020 و 2021 و 2022 عمدت إلى تكرار أخطائها بدلاً من العمل على تصحيحها.
قد قدم التحالف بقيادة السعودية والإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بعض المدفوعات المالية المحدودة على سبيل التعزية لضحايا الهجمات الجوية من المدنيين وشكلت جماعة أنصار الله “الحوثيين” لجاناً للنظر في الشكاوى ضد أعضاء الجماعة، ولكن كلا الحالتين لا تعتبر إطلاقاً جبراً لضرر المدنيين.
خلص التقرير إلى أنه حتى عندما بذلت الأطراف المتحاربة جهوداً لاستجابة بشأن الأضرار التي لحقت بالمدنيين فإن تلك الاستجابة كانت غير كافية إلى حد كبير حيث دفع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بعض المدفوعات على سبيل التعزية لجزء ضئيل فقط من الضحايا المدنيين الذين تأثروا من جراء هجمات التحالف الجوية. وقد تم تأطير مدفوعات التعزية تلك على أنها “طوعية” و “إنسانية”. لقد جاؤوا دون يقدموا حتى اعتذار. ويظهر التقرير أن عملية الدفع – التي أعقبت التحقيقات التي لم تكن مستقلة أو محايدة أو ذات مصداقية – كانت غير شفافة وغير فعالة وبعيدة عن الشمولية. وقد اضطر بعض المدنيين إلى التوقيع على إيصال يفيد بأنهم تلقوا مدفوعات مقابل “خطأ” التحالف.
تعمل لجان الإنصاف التابعة لأنصار الله بشكل غير شفاف تماماً وتفتقر إلى الاستقلالية والحياد. وفي معظم الحالات قال أولئك الذين قدموا عرائض التظلم إلى لجان أنصار الله لـمنظمة ”مواطنة ” إنهم لم يتلقوا أي شكل من أشكال المساعدة المؤكدة على الإطلاق بل وتعرض آخرون للمخاطر والأعمال الانتقامية.
تقرير “عُدنا إلى الصفر” هو نتاج سنوات عديدة من البحث. ولقد راجع مؤلفو التقرير البيانات العامة والتقارير والوثائق الصادرة عن الأطراف المتحاربة والهيئات التي أنشأتها للاستجابة للأضرار المدنية.
وصف العديد من المدنيين الذين تمت مقابلتهم أثناء إعداد التقرير التكاليف المادية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي تحملوها نتيجة لهجمات الأطراف المتحاربة. وقد كافح المدنيون للوقوف على أقدامهم دون أي مساعدات أو جبر ضرر.
بعد أن قتلت هجمة جوية زوجها وأربعة من أبناءها وزوجة ابنها وحفيدها ودمرت منزلها أوضحت إحدى الضحايا، تقول نورية – اسم مستعار- : “لم يتبق لنا شيء باستثناء الملابس التي كنا نرتديها”. وجدت نورية مكاناً مؤقتاً للعيش فيه لكنها لم تستطع تحمل كلفته وأردفت قائلة: “لقد سئمت من طرد الناس لي من منازلهم لأنني لا أستطيع دفع الإيجار”.
سلمى – ضحية أخرى – فقد ابنها البالغ من العمر 14 عاماً كلتا ساقيه في انفجار لغم أرضي تقول: “بدأت معاناتنا مع الألغام الأرضية منذ عام 2015 وهي مستمرة حتى الآن. لم يعد بإمكاننا الزراعة أو الرعي أو جمع الحطب”. لقد زرعت جماعة أنصار الله الألغام في كل مكان.
لقد تسببت انتهاكات القانون الدولي من قبل الأطراف المتحاربة في اليمن ولا تزال تتسبب في أضرار مدنية واسعة النطاق. وللأفراد الذين عانوا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني الحق في طلب الإصلاح بما في ذلك جبر الضرر.
يهدف جبر الضرر إلى إعادة الطرف المتضرر قدر الإمكان إلى وضعه السابق قبل حدوث الخطأ وهي شكل من أشكال العدالة. وقد خلص التقرير إلى أنه في اليمن لم يقدم أي طرف من الاطراف المتحاربة جبر ضرر للضحايا المدنيين مقابل انتهاكاتهم.
وفي محاولة لدعم إعمال حق المدنيين في الحصول على جبر الضرر في اليمن يقدم تقرير “عُدنا إلى الصفر” توصيات للأطراف المتحاربة والدول الأخرى وهيئات الأمم المتحدة والمجتمع المدني العالمي.
ويطالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية وإنشاء آلية دولية لجبر الضرر في اليمن. ونظراً لأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى الآن فشل فشلاً ذريعاً في اتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في اليمن، يدعو التقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات فورية لتسهيل المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في اليمن. يجب أن تشمل هذه الخطوات إنشاء آلية تحقيق دولية تركز على القضايا الجنائية ودعوة الأطراف المتحاربة إلى الوفاء بالتزاماتها في جبر الضرر للمدنيين في اليمن.
منذ عام 2016 وعد مسؤولو اليمن والتحالف مراراً وتكراراً بتقديم المساعدة لضحايا الهجمات الجوية من المدنيين. في مجموعة النتائج الأولية لها، قدمت هيئة التحقيق التابعة للتحالف والفريق المشترك لتقييم الحوادث التوصيات للتحالف بتقديم “تعويضات” للمدنيين المتضررين من الهجمات الجوية. وقد قدم الفريق المشترك توصيات مماثلة في 2016 و2017 و 2018. وبحلول عام 2018 قال ضحايا الهجمات الجوية ذات الصلة إنهم لم يتلقوا أي شيء ولا حتى مكالمة هاتفية.
وفي أغسطس 2018 مباشرة قبل أن يبدأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مناقشته السنوية حول اليمن أعلن التحالف بقيادة السعودية والإمارات والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عن لجنة مشتركة جديدة لتوزيع “المساعدات الطوعية” على ضحايا هجمات التحالف الجوية في اليمن. وفي يونيو 2019 قال التحالف والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إن لجنة “المساعدة الطوعية” قدمت مدفوعات تعزية لضحايا ست هجمات جوية من المدنيين.
لم يتلق سوى جزء ضئيل من الضحايا المدنيين من الهجمات الجوية مدفوعات التعزية. حتى المدنيين الذين تلقوا هذه المدفوعات يفرقون بين مدفوعات تعزية تدفع لمرة واحدة عن جبر الضرر والعدالة.
لقد خذلت الأطراف المتحاربة المدنيين مرتين – أولاً بالضرر المباشر وغير المباشر الذي لحق بالمدنيين خلال هذه الحرب المروعة وثانياً بفشلهم الصارخ في تقديم جبر الضرر للمدنيين الذين أضروا بهم. جبر الضرر إلى جانب المساءلة الجنائية ليست رفاهية ولكنها ضرورة لإنهاء دوامة العنف والأسى في اليمن.
إن الفشل في تقديم جبر الضرر هو اختيار وضع تكاليف الحرب على عاتق المدنيين. لقد أهملت الأطراف المتحاربة في اليمن جبر الضرر حتى الآن، ولم تكن هذه المسألة ذات أولوية كافية في نظر المؤثرين بما في ذلك الدول الأخرى. يجب على الدول التي لديها سلطة دعم عدالة جبر الضرر في اليمن ألا تستمر في مطالبة المدنيين بالانتظار